لماذا نتعلم ؟

موضوع: لماذا نتعلم ؟ السبت يونيو 27, 2015 4:21 pm

لماذا نتعلم ؟
لماذا نتعلم؟ هذا السؤال تتفاوت الإجابة عنه من زمن لآخر، ومن مجتمع لآخر، وأنا
على يقين بأن الإجابة عنه تختلف اختلافا كليا عند توجيهه إلى فئات مختلفة من
الطلاب في دول مختلفة، فالإجابة عن السؤال السابق من قبل أغلب الطلاب في دول
أوروبا أو أمريكا قد تركزت على أنهم يتعلمون لكي يسهموا في تطوير، ورقي
بلادهم، وأنهم يتعلمون لكي يتزودوا بالمعارف والمعلومات المفيدة، ويكتسبوا
الخبرات والمهارات اللازمة ليكونوا أعضاء فاعلين وحيويين في مجتمعاتهم، فالعلم
لديهم للعلم، وهم يتعلمون لكي يتعلموا بالدرجة الأولى .. أما الإجابة عن السؤال نفسه من خلال الكثير من الطلاب بمختلف المراحل التعليمية
في البلاد العربية، فتدور حول أنهم يتعلمون لكي ينجحوا، وينجحون لكي يحصلوا
على الشهادة التي تؤهلهم للدخول إلى سوق العمل، وهم بذلك لا يهتمون بدرجة كبيرة
بتعلم المعلومات وحصولهم على المعارف، ولا يركزون على اكتساب المهارات
والخبرات من خلال تعلمهم في المراحل التعليمية بدءاً من المرحلة الابتدائية، وانتهاء
بالمرحلة الجامعية
ذلك أن التعلم لديهم بهدف النجاح الذي يؤدي إلى الحصول على شهادة ليكمل بها
الفرد متطلبات الالتحاق بالوظيفة، فهم يتعلمون لكي يحصلوا على وظيفة، ومنها
يكون نفسه ويبدأ في بناء أسرة. ولذا فإن التعلم في هذه الحالة يعمل على إعطاء الفرد
وثيقة، أو جوازاً يتيح له العمل. فالهدف الأساسي من التعلم هو الحصول على عمل .
كما أن الإقبال على التعلم والتعليم من قبل كبار السن ممن فاتهم قطار التعليم في بداية
حياتهم، أو ممن اكتفى بالمرحلة الابتدائية أو المتوسطة والتحق بوظيفة منخفض جداً،
وإذا تم الالتحاق بمدارس محو الأمية أو المدارس الليلية، فإن الهدف الأساس هو
الحصول على شهادة ليستفيد منها في الترقية فقط، ولا يكون الهدف من التعلم، تنمية
الثقافة، أو زيادة الوعي، أو فهم الآخر، أو غير ذلك من الأهداف الأخرى .
ولقد أسهمت بعض مؤسسات المجتمع في تكوين هذا الاتجاه السلبي نحو التعلم، أو
توجيه أهداف التعلم في مجتمعاتنا لهذا الاتجاه، فمحتوى الكثير من المناهج يقدم
المعلومات بطريقة تقليدية، ولا يُعد الطلاب للمستقبل بشكل عملي وتطبيقي، كما أن
أسلوب التقييم المستخدم يشجع الطلاب على الحفظ دون إدراك الجوانب التطبيقية
ومن ثم النجاح والحصول على الشهادة التي هي الهدف النهائي لدى الكثير من
المتعلمين في البلاد العربية .
كما أن المدارس ودورها في التعليم والتعلم لا تعمل على توعية الأفراد مهنيا،ً ولا
تؤكد على أن العلم والتعلم للعلم ذاته، وليس للنجاح فقط، وهذا دور تفتقر إليه كثير
من المناهج الدراسية، فلابد أن تشمل أهداف هذه المناهج توعية الطلاب مهنيا،ً
وإعدادهم ليكونوا لبنات صالحة في المجتمع، ويسعون إلى تنميته وتطويره،
والمحافظة على ممتلكاته ومقدراته، هذا بالإضافة إلى أن تنفيذ التدريس، والمنفذين
للمناهج )المعلمين( يقومون بدور التلقين من خلال الإلقاء، والاستظهار للمعلومات
من خلال الاختبارات التي تجعل الطلاب يركزون على النجاح لا على التعلم وما
يرتبط به من جوانب تطبيقية مختلفة
أما المدرسة التي يتعلم فيها الطلاب، فهي بيئة طاردة لهم، ذلك أن بعض الدول لا يتم
التعليم النظامي فيها بالشكل المتوقع، بل نجد أن الانتظام مفتقد في هذه المدارس، ولا
يذهب الطلاب لمدارسهم إلا لتسجيل أسمائهم والحصول منها على الشهادة في نهاية
المرحلة، لأن المدارس لا تعلم بل تقوم بالاختبار، أو التقييم فقط، وهذا ما شجع على
انتشار ظاهرة الدروس الخصوصية أو ما أطلق عليه " السوق السوداء للتعليم"
وبذلك فقدت المدرسة في هذه الحالة دوراً من أدوارها الرئيسة في هذا المجال،
وأصبح ذلك مقبولا لدى كثير من الآباء، وهذه كارثة تربوية عندما لا تقوم المدرسة
بدورها الحيوي في التعليم والتعلم .
ولذلك لا نستغرب عندما يكون لدينا إقبال على بعض التخصصات دون الأخرى في
مؤسسات التعليم العالي، لأن معظم الطلاب يتجهون للتخصصات التي يحتاجها سوق
العمل، أو فرص التوظيف بها أعلى من غيرها من التخصصات، وهذا يؤكد لنا مرة
أخرى أن التعلم للوظيفة، وليس للعلم في حد ذاته. وعندما ننظر إلى ترتيب طلابنا في
الاختبارات الدولية مثل اختبار العلوم والرياضيات نجد أنهم يحتلون ترتيبا متأخراً
بين الدول المشاركة، بالرغم من حرص المسؤولين عن التربية والتعليم على حصول
طلابنا على مراكز متقدمة في مثل هذه الاختبارات، ولكن قد يكون هناك عوائق
حالت دون ذلك، ومن هنا لا بد من إعادة النظر، ودراسة الأسباب التي أدت إلى هذه
النتائج، والعمل على تخطي هذه الصعوبات، وتحقيق الأهداف المنشودة في هذا
المجال، وغيره من المجالات التعليمية، فنحن نريد مناهج تعليمية تشجع الطالب على
البحث والتقصي، والتعلم التعاوني، والتعلم الذاتي، وتنمي الإبداع، والابتكار، كما
نريد معلما جاداً، ومخلصا،ً ومنتميا لمهنته لمساعدة طلابه على التعلم، واكتساب
المهارات، والخبرات المختلفة، ونريد بيئة مدرسية تعد بمثابة البيت الثاني للمتعلم،
وتكون عامل جذب للتعلم الفعال، وتعمل على تحفيز المتعلم للتعلم بأحدث الأساليب
التعليمية، وفي حالة توافر هذه المقومات المادية والبشرية نستطيع أن ننافس على
المستوى العالمي، ونحصل على مراكز متقدمة .
ومن هنا فإنني أهيب بالمسؤولين عن التعليم لدراسة الجوانب المترتبة على الإجابات
عن السؤال الذي اخترته لهذا العنوان " لماذا نتعلم ؟"، ولتعرف الإجابة الحقيقية عنه
لابد من الذهاب إلى الميدان الحقيقي وسؤال الطلاب عن إجاباتهم بصفة مباشرة،
ومن ثم العمل مع متغيرات الموقف، وجوانبه المختلفة لكي يكون الهدف التعلم للتعلم
وليس للشهادة فقط، وهذا يتطلب أن تكون المدرسة بكافة مقوماتها البشرية، والمادية
بيئة جاذبة للمتعلمين غير طاردة لهم، وبذلك يمكن أن تكون مخرجات التعليم في
حالة تطوير مفهومهم عن التعليم وأهدافه فعالة في تحقيق أهداف المجتمع،
والمحافظة عليه وعلى استقراره وتقدمه، والسؤال الذي قد يكون عنوانا آخر هو "
ماذا نُعلّم"؟ والإجابة عن هذا السؤال قد تحتاج إلى أكثر من بضع صفحات للكتابة
عنه ولو بشكل مختصر ، ونبدأ في الصفحات القادمة بالتكلم عن الرياضيات
وأهميتها في حياتنا اليومية .
مقالة: أوشن زين العابدين

للاسف درجة الجهل الفكري لدينا سائدة بدرجة كبيرة